awram

المعهد القومى للأورام بفم الخليج يتلقى التبرعات على حساب 777 البنك الأهلى المصرى , أما مشروع إنشاء المعهد الجديد بمدينة 6 أكتوبر حساب 500 500 البنك الأهلى و بنك مصر . صفحة المعهد على الفيس بوك هنا

copyright

Protected by Copyscape Online Plagiarism Tool
ايها الطائرين و الله منورين يلا دوسوا اشتراك و خليكوا موجودين و ده حسابى فى تويتر خليكوا متابعين

الثلاثاء، 7 سبتمبر 2010

تحـية إلي كـاريوكـا...سناء البيسي


مقالة لطيفة اوى لقيتها و حبيت اشاركها معاكم
المقالة اتنشرت فى جريدة الاهرام بتاريخ 18 اغسطس 2007

ويهرع المارة علي مستوي جمهورية مصر إلي أكشاك السجائر في توقيت الخامسة والربع مساء يرهفون الآذان لسماع ترنيمة سمارة‏,‏ ومن بعدها تأتي الكلمات المأثورة للمقدمة الدرامية المصحوبة بموسيقي تصويرية أصبحت خلفية مزاج الأسرة المصرية سمارة زهرة برية نشأت وترعرعت في أوكار الفقر والحرمان‏..‏ ــ وحاجات من مثل تلك المصطلحات المنتقاة في وصف الناس الغلابة ــ لم تزل عالقة بالذهن من المسلسل الإذاعي اليومي الشهير في أوائل الستينيات بطولة تحية كاريوكا بنت البلد الضحية ومحمود إسماعيل شرير الميكروفون‏,‏ ومن بعد سمارة تأتي المعلمة توحة لنستمع ونتابع بشغف بالغ نوعية جديدة من الأداء لها أجروميتها ومخارج ألفاظها من النماذج الشعبية التي لم تأخذ من قبل مكانها في الصف الأول لتكون الست سمارة وتوحة هما شرارة البدء في هجمة الإعصار القادم لمعلمات المدابح والمدابغ والقهاوي والشيشة من بعد ما شبعنا من مغامرات ليلي بنت الريف والفقراء والأغنياء والمدارس‏,‏ وراقصات الكباريهات اللائي يرتمي في أحضانهن كل ذي مشكلة زوجية‏.‏

كاريوكا‏..‏ والأصل بدوية محمد علي النيداني كريم من مواليد قرية المنزلة دقهلية وسجلت علي أنها من مواليد الإسماعيلية في يوم‏22‏ فبراير‏1919..‏ خرجت إلي الحياة لتجد نفسها أختا لستة عشر شقيقا‏..‏ بعد وفاة الأب استغلها شقيقها أحمد وامرأته المالطية للعمل في بيتهما كخادمة‏,‏ وعندما حاولت الهرب قيدها بسلسلة من الحديد في رجل السرير‏,‏ وذات ليلة تسللت لحضور فرح صديقتها فكرية الذي غنت فيه المطربة السورية سعاد محاسن من تلحين داوود حسني أنا عندي ميعاد في الدهبية انفلتت بدوية ترقص بعفوية ومهارة أذهلت الجميع خاصة المطربة التي صفقت لها طويلا قائلة‏:‏ قديش كنت حلوة يا بدوية‏.‏ وش مليح وشعر حرير وقوام بديع سبحان من صور‏.‏ لو اشتغلت رقاصة يا بدوية حتاكلي الشهد‏.‏ فكري ولو جيتي مصر اسألي عني في صالة البيجو بالاس بشارع عماد الدين حتلاقي ألف مين يدلوكي‏..‏ وعلم الشقيق السجان بأمر الخروج والرقص فحلق لها شعرها علي الزيرو كي لا تفكر ثانية في الهرب وقيدها مرة أخري في رجل السرير بالحديد‏,‏ وعندما تحسست بدوية رأسها فوجدت الشعر قد غطاها من جديد هربت في وش الفجر وركبت القطار من غير ولا مليم فجمع لها الركاب ثمن التذكرة ليتبقي معها قرشان‏..‏ ووصلت الموهوبة اللهلوبة لمحطة مصر‏..‏

ندهتها النداهة‏..‏ وباندماجها في حياة الملاهي الليلية بين القاهرة والإسكندرية تذوقت قواعد الرقص وأصوله من شهيرات الراقصات في صالات سعاد محاسن‏,‏ وببا عزالدين‏,‏ وبديعة مصابني‏,‏ وماري منصور‏,‏ ورتيبة وإنصاف رشدي‏,‏ ودخلت السينما لتشاهد في قاعة ديانا فيلم الطريق إلي ريو بطولة ألفريد استير وجنجر روجر‏,‏ الفيلم الذي يتضمن أحدث الرقصات كاريوكا بعد شهرة الرومبا والسامبا والسوينج والفوكس تروت والشارلستون‏,‏ وعادت في الصباح لتصحب مسيو إيزاك مدرب فرقة بديعة للرقص لمشاهدة الفيلم‏,‏ فقام بتدريبها علي الكاريوكا بإشراف دقيق من المعلمة الكبيرة الست بديعة التي كانت لا تكاد تبلغ مكتبها في موعدها تماما حتي يهرول إلي الكواليس أحد السعاة صائحا‏:‏ الست وصلت‏..‏ ومعني هذا أن يحترم كل واحد نفسه ويحفظ مركزه ويؤدي عمله علي أكمل وجه‏,‏ ومن هؤلاء العاملين مع تحية وقتها فريد الأطرش وإبراهيم حمودة ومحمد عبدالمطلب ومحمد فوزي وسامية جمال‏,‏ وأكبر الرواتب لا يتجاوز‏12‏ جنيها‏,‏ وممنوع علي أي فنان أن يبصبص لأي فنانة وإلا خصمت منه الست أجر ليلة‏,‏ أو أجر أسبوع حسب حجم المخالفة ونوع البصبصة‏..‏ ولما كانت بدوية قد استبدلت اسمها بتحية محمد فإنها بعد تقديمها رقصة كاريوكا واستعادة الجمهور لها صائحا‏:‏ كاريوكا‏..‏ كاريوكا‏..‏ أصبح اسمها تحية كاريوكا‏,‏ وكان آخر عهدها باسم تحية محمد عندما ظهرت تشارك في بطولة أجنحة الصحراء أول إنتاج وإخراج لأحمد سالم وبطولة حسين صدقي وراقية إبراهيم وتحية محمد‏.‏

كاريوكا التي هرعرت للجراح الدكتور علي إبراهيم تشكو له إصابتها بالمصران الأعور مرتعبة من التشويه الذي قد يظل ندبة ظاهرة في بطنها مسرح أكل عيشها‏,‏ فقام بعمل جراحة مبتكرة سميت باسمها عملية كاريوكا الجرح فيها لا يكاد يظهر للعين المجردة‏..‏ صاحبة الـ‏300‏فيلم التي تعاقدت معها شركة فوكس للقرن العشرين في هوليود لتلعب بطولة أنا وملك سيام لكن مرض والدتها جعلها تعود إلي مصر بعد عامين من عقد الاحتكار أجرت فيهما بروفة واحدة فقط فتركت أحلام العالمية‏,‏ ولم تكن المرة الأولي التي عاشت فيها في هوليود فقد كانت الأولي في عام‏1946‏ عند زواجها من الليفتنانت كولونيل جلبرت ليفي الذي أشهر إسلامه‏,‏ وأمام القاضي الأمريكي جودوين نايت في مكتبه بالطابق الخامس عشر من مبني السيتي هول بمدينة لوس أنجلوس‏,‏ تم الزواج في حفل صغير بعد أن وقف القاضي الأمريكي بردائه الأسود يوجه عبارته المألوفة للعريس الأمريكي كما في الأفلام‏:‏ هل تقبل هذه السيدة زوجة لك بالمحبة والإعزاز حتي يفرق بينكما الموت؟ فنظر العريس لتحية بهيام قائلا‏:yesIdo‏ وعاد ليسأل تحية نفس السؤال ليسمع نفس الإجابة‏:yesIdo‏ وكانت تحية ترتدي ثوبا باهت الزرقة يجمله عند الوسط أبليك من الزهور البيضاء‏

‏ أما العريس فكان في زيه العسكري الرسمي تلبية لرغبة العروس‏,‏ وفي المساء أذيع الخبر لتسمعه الآلاف من محطة الإذاعة المحلية حيث عقب عليه المذيع بأن العروسين قد استقلا سيارة شيفروليه مفتوحة بيضاء إلي حيث يقضيان شهر العسل في فندق بل إير الذي يتوسط الطريق ما بين هوليود والمحيط الباسيفيكي بعد أن صرحت العروس بقرب عودتهما في زيارة قصيرة إلي مصر‏...‏ وكتب عباس محمود العقاد وقتها يرد علي الشائعات الكثيرة التي تنتقد زواج مصرية بأمريكي قائلا‏:‏ لعلها مسألة ذوق قبل أن تكون مسألة أخلاق‏,‏ والمسألة فيها ما يدعو إلي الأسف والمؤاخذة وفيها ما يدعو إلي الغبطة والارتياح‏,‏ فمن دواعي الأسف أن يتمادي الناس في حب الثرثرة إلي الحد الذي يخلق لهم موضوع اهتمام‏,‏ ومن دواعي الغبطة والارتياح أن يقال إن الراقصة التي صنعت هذا الصنيع لم تجد زوجا من المصريين ووجدته بين الأمريكيين‏.!.‏

ولقد كان الليفتنانت أحد الأزواج الـ‏14‏ لكاريوكا التي تتزوج في النور محتفظة بالعصمة في يدها‏..‏ وكان أولهم أنطوان عيسي عام‏1939,‏ وفي نفس العام تزوجت من أكبر أثرياء مصر وقتها محمد سلطان باشا لمدة ستة أشهر وانفصلت عنه عندما طلب منها اعتزال الفن‏,‏ ثم من بعد الأمريكي أتي المخرج فطين عبدالوهاب زوجا‏,‏ ثم تلاه الفنان أحمد سالم الذي ضحي بزواجه من أمينة البارودي‏,‏ وعندما ترددت الشائعات حول علاقته بأسمهان قررت الانفصال عنه لتتزوج من طيار الملك فاروق الخاص حسين عاكف‏,‏ ولم يستمر الزواج أكثر من شهرين بظهور رشدي أباظة‏,‏ وبطلاقها منه ارتبطت بالضابط مصطفي كمال صدقي ودارت في فلك نشاطه السياسي مما وضعها في سجن مصر لمدة مائة يوم وواحد‏,‏ وبعد الإفراج عنها ظلت تشعر بأن تليفونها تحت المراقبة وأن حركاتها مرصودة وأن هناك سيارات من ماركة الستروين تراقبها‏,‏ وذات ليلة طال رنين التليفون وكانت المتحدثة شقيقة إحدي المونتيرات الشهيرات في السينما التي قالت لها‏:‏ والنبي يا ست تحية ماتقدريش تخلصي نمرتك بدري‏..‏ فسألتها عن السبب فكان جوابها‏:‏ أصل الواد ابني اتعين جديد في المخابرات ومهمته يراقب الزباين عندك لكن يا حبيب أمه عضمه طري ومش واخد علي السهر وبينام علي الترابيزة وانت لامؤاخذة بتطلعي متأخرة وويله دلوقت ويلين يراقبك فوق ولا يراقب الزباين تحت‏..‏ ومن بعد انفصال كاريوكا عن صدقي بقيت علي ذمة الثري الوسيم عبدالمنعم الخادم خمس سنوات‏,‏ ثم التقت بزوجها العاشر البكباشي طبيب حسن حسين وانفصلت عنه بسبب المطربة صباح‏,‏ وأتي الزوج الحادي عشر محرم فؤاد ولم يكتمل الستة أشهر حتي تم الطلاق إلي أن بلغت الرقم الثاني عشر من الزواج لمدة عام من أحمد ذوالفقار‏,‏ وبعده أتي الزواج الطويل من الكاتب فايز حلاوة الذي دام‏18‏ عاما انتهي في قاعات المحاكم لتختم بالزواج الأخير من المخرج حسن عبدالسلام‏..‏

فايز حلاوة الإنسان الذي اقتربت منه في أقسي ليلة من عمري عندما مرض قلبي ولم يجد له مداويا سوي مشرط الجراح في مستشفي كليفلاند في أمريكا‏,‏ حيث أمضيت ليلة العملية تؤرجحني المشاعر ويساورني الشك حول غد ليس في الحسبان فيما إذا كان له من غد‏..‏ ولم يخرجني من متاهة أفكاري سوي زائري الذي أمسك بيدي حتي قيام موعدي وجعلني أموت من الضحك وأكركع من حلاوة النكات المتوالية وأنسي كابوسي وأدخل معه في ود الحوار المرح‏..‏ فايز حلاوة الذي كان قد أتي لعلاج قلبه العليل في نفس المستشفي وفي نفس الفترة ولم يجد الأطباء جدوي من علاجه بعد أن كان قد أجري مسبقا في قلبه أكثر من جراحة‏..‏ لكنه نسي حالته الميئوس منها أو تناسي حكم الأطباء وجاء ليشد من أزري رغم أنه لم يكن لنا سابق معرفة‏..‏ وفتحت عيني بعد الافاقة في حجرة الإنعاش لأجده أمامي معاودا تشجيعي‏,‏ ولم نلتق بعدها رغم حياته التي استمرت أكثر من ثمانية أعوام عشنا فيها علي ارض الوطن كل في عالمه يدور‏,‏ ليظل فايز حلاوة كلما عاودتني الذكري يمثل إنسانا نبيلا قد لمس قلبي‏.‏

كاريوكا‏..‏ كانت جزمتها بتنقح عليها‏.‏ هكذا كانت دوما عندما تغضب‏.‏ تغضب بلسانها ويدها وحذائها ولا يهمها في هذا المعترك أكبر كبير أو نبيل‏..‏ أثناء عملها كراقصة في كازينو بديعة مرت في طريقها لأداء نمرتها علي المسرح بمائدة يجلس عليها طاقم من النبلاء والأمراء من هواة السهر والفرفشة‏,‏ فإذا بأحدهم يجذبها من ذيل بذلة الرقص قائلا بعربية مكسرة‏:‏ تعالي هنا يا بت يا فلاحة‏..‏ فالتفتت إليه تحية مزمجرة‏:‏ سيب ذيلي يا ابن الدايخة‏!..‏ وكانت ردة الفعل أن غرقت الصالة في صمت بالغ التوتر‏,‏ وتطلع الزبائن إلي حيث يجلس النبيل عباس حليم إلي نفس المائدة منتظرين معرفة السبب الذي دفع إلي هذا الانفلات بصوت مرتفع‏..‏ وأتت بديعة مسرعة تسأل‏:‏ فيه إيه؟‏!..‏ فأجابتها تحية‏:‏ شوفي ابن الـ‏....‏ مسك ديلي وراح بيشدني‏..‏ وهتفت بديعة زاعقة‏:‏ انت عارفة ده مين؟‏!..‏ فردت تحية‏:‏ واعرفه منين ابن الـ‏...‏ فأخرستها بديعة بقولها‏:‏ ده النبيل حسن ابن الأميرة عين الحياة يا جاهلة‏..‏ فأتي رد تحية ساخرا‏:‏ والله لو كان الحياة ذات نفسها‏..‏ وكادت بديعة أن يغمي عليها لولا تدخل النبيل عباس حليم ليتدارك الموقف طالبا من تحية الاعتذار‏,‏ لكنها رفضت وذهبت لتؤدي نمرتها‏

‏ وعاشت بديعة بعدها علي قمم التوتر بينما تحية لا تبالي بالأمر علي الإطلاق‏,‏ وانتشرت القصة في الأوساط العليا حتي وصل النبأ إلي مسامع الملك فؤاد شخصيا فأصدر أوامره الفورية بحظر ذهاب أي أمير أو نبيل إلي الأماكن السوقية التي يطرقها أفراد الشعب العاديين‏,‏ ولولا خوف الحاشية من غضبة الجماهير ضد الأسرة المالكة في ذلك الوقت الدقيق الذي تغلي فيه المظاهرات مطالبة بالدستور لقدمت كاريوكا للمحاكمة‏..‏ وفي إحدي ليالي عرض مسرحية ياسين ولدي عندما كان الجمهور مستغرقا في مشاهدة ما يحدث علي خشبة المسرح فجأة ارتفعت تعلو ضحكة نسائية من الصالة تشرخ الهدوء المنصت للحوار الدائر‏,‏ فتوقفت تحية عن التمثيل تماما لتدخل في مشادة كلامية حامية توجهها إلي السيدة التي ضحكت‏:‏ الست قليلة الأدب الـ‏(.....)‏ والـ‏(......)‏ تطلع بره‏,‏ وساد السكون ولم يرد أحد‏,‏ وعادت تحية‏:‏ باقول الست قليلة الأدب اللي قاعدة في الصف الرابع واللي فاكرة نفسها جاية في كباريه تطلع بالذوق أحسن ما أطلعها بالقوة وإلا حانزل الستار ومفيش عرض الليلة‏..‏ واضطرت السيدة إلي الخروج هي ومن معها وتابعت تحية التمثيل‏..‏ وفي موقف آخر قذفها أحدهم من الصالة بتعبير وقح فما كان منها إلا أن خلعت فردة حذائها وهي فوق المسرح وسددتها نحوه طائرة فوق الرءوس‏

‏ ومن العجيب أنها أصابت الهدف‏,‏ وضحك الجمهور وتعاون علي إخراج المتفرج من الصالة‏,‏ ووقفت كاريوكا تضحك وتضرب كفا بكف متسائلة‏:‏ كيف أصبت الهدف؟ ولأنها علي المسرح كانت مضطرة إلي خلع نظارة النظر أجابت علي نفسها بقولها‏:‏ علي فكرة العميان وضعاف النظر بيشوفوا بودانهم‏!..‏ وتنشر جريدة الديلي اكسبريس في لندن أن مستر جون ميللز صاحب الفنادق العالمية المشهورة قد رفع دعوي ضد الراقصة المصرية تحية كاريوكا يطالبها فيها بتعويض قدره‏12‏ ألف جنيه لأنها خلعت حذاءها في فندق سميراميس وضربته به علي رأسه‏..‏ حتي النجمة العالمية ريتا هيوارث لم تسلم من قذائف كاريوكا أمام جمهور عريض علي أرض مهرجان كان عام‏1956‏ عندما أدلت ريتا بتصريحات تسيء للعرب فوقفت كاريوكا تردح لها بالإنجليزية‏..‏ وكانت تحية قد رشحت في هذا المهرجان للجائزة الأولي عن فيلم شباب امرأة في منافسة مع سوزان هيوارد بطلة فيلم سأبكي غدا وحصلت سوزان علي الجائزة‏..‏ ومن أحداثها الشهيرة في حل مشاكلها بالضرب العلقة الساخنة التي أعطتها للمطربة فايزة أحمد في حفل صباح عندما أصرت علي أن تغني قبلها‏,‏ ونال الفنان سعيد صالح منها أيضا عقابه عندما وضع يده علي كتفها في أحد المشاهد السينمائية بشكل فجائي مما أفزعها‏..‏

و‏..‏ كانت تمر في شارع الهرم فشاهدت عربجيا يضرب الحصان بسيخ من حمولته الثقيلة فسارعت تخطف السيخ الحديدي من يده لتنهال عليه به ضربا‏..‏ ويعود سر اللقب الثلاثي الذي خلعه عليها الكاتب والناقد الفني الشهير جليل البنداري المهذبة المؤدبة المتربية يعود إلي علقة أصرت أن تعطيها له عام‏1973‏ كي تقبل اعتذاره علي ما كتبه عنها وجاء في بعضه‏:‏ تشاجرت كاريوكا مع زوجها فايز حلاوة وحولت كورنيش النيل الشاعري‏,‏ حيث اختار أحمد شوقي أن يقيم كرمة بن هانئ جنة لشعره وحياته‏..‏ حولته إلي حوش بردق وعشش الترجمان‏..‏ اشترطت تحية‏:‏ أضربه الأول وبعدين أصالحه‏..‏ ولمحته صدفة في ستوديو مصر‏,‏ فلما شعر بها أسرع إلي سيارته منطلقا لا يلوي علي شيء‏,‏ فلاحقته في مطاردة جنونية حتي تجاوزته لتسد عليه الطريق مما اضطره إلي التوقف بينما أسرع يغلق عليه زجاج النوافذ متشبثا بمقابض الأبواب‏.‏ فهددته من الخارج بتحطيم الزجاج إن لم يفتح لها الباب لتنفيذ حكمها الصادر عليه‏..‏ وتجمع الخلق في شارع الهرم يتابعون أحداث المشهد المثير الذي ظنوه مشهدا تمثيليا لا تنفيذا للأحكام علي أرض الطبيعة‏..‏

كاريوكا‏..‏ من عاشت في نهاياتها حالة الاكتئاب‏..‏ هل وقعت في الفخ السياسي الفني الذي وقعت فيه نجمة النجوم سعاد حسني؟‏!..‏ هل حملت كلتاهما دورا عقائديا أكثر مما تحتمل؟‏!..‏ هل كانت الواجهة الجديدة لكل منهما أقوي من طبيعتها؟‏!..‏ هل كانت البنية الاساسية غير مهيأة ثقافيا واجتماعيا وسياسيا؟‏!..‏ هل هو البريق لطرق الميدان البكر والريادة الأنثوية في سكة المرأة الطموح؟‏!..‏ هل ألغي الدماغ لتصبح الشهيرة القديرة بمثابة بوق وأداة؟‏!..‏ هل استخدمت كلتاهما لحضورها الطاغي لزرعها في ثوب المناضل السياسي لتقديم أعمال لم تعد تحتفظ بها الذاكرة إلا لماما؟ هل؟‏!!..‏ إن الجماهير التي خرجت تودع سعاد حسني اندفعت خلف الفنان الذي هو أكبر من الأحزاب والمنابر والعبارات الطنانة‏,‏ وأكبر من أي انتماء سياسي أو مذهبي‏..‏ جماهير لم تبك علي وفاة بطلة فيلم الاختيار وأفلام شاهين وبدرخان‏,‏ وإنما بكت علي سعاد حسني في رونقها الأصلي‏..‏ البنت الجميلة الخفيفة الشقية بطلة خللي بالك من زوزو‏,‏ وأميرة حبي أنا‏,‏ وصغيرة علي الحب‏..‏ وتظل تحية كاريوكا في الأذهان رغم مسرحياتها السياسية يحيا الوفد‏,‏ والبغل في الإبريق هي فاتينتسا في لعبة الست وصاحبة السرجة في شباب امرأة والعالمة نعيمة ألمظية في زوزو‏,‏ هذا إلي جوار تاريخ طويل من المواقف الشجاعة العفوية التي تصدر من بنت البلد ذات النخوة التي لا تهاب إرهابا أو عصا‏,‏ ففي داخلها كانت تسكن المتمردة التي عندما طفح بها الكيل في طفولة مريرة معذبة انطلقت هاربة في قطار الصدفة‏.‏

الصدفة التي قادت أقدام المفكر العربي الكبير إدوارد سعيد مع سمير يوسف صديق الدراسة في عام‏1950‏ إلي كازينو بديعة ليجلسان إلي ترابيزة علي النيل يشاهدان رقص كاريوكا علي واحدة ونص‏,‏ بينما لم تلحظ وجودهما ملكة الرقص الشرقي‏..‏ وتظل كاريوكا تعشش في ذاكرة إدوارد الذي هاجر مع أسرته إلي أمريكا قبل أن تطولها قرارات التأميم الناصرية‏..‏ ويعود إدوارد للقاهرة في عام‏1989‏ ولم تزل في الفكر كاريوكا فيذهب إليها يجري معها حوارا قام بمثيله من قبل أديب إيطاليا الكبير ألبرتو مورافيا مع رمز الأنوثة في شبابها بريجيت باردو‏,‏ وحوار فرانسوا ميتران رئيس وزراء فرنسا مع الأديبة الوجودية فرانسواز ساجان صاحبة صباح الخير أيها الحزن‏,‏ ولقاء صاحب نوبل الأديب العالمي ماركيز مع المطربة شاكيرا لانجذابه البالغ إلي مجالها المغناطيسي كأنثي تغني وتتلوي‏..‏ كانت جلسة إدوارد الطويلة مع تحية طابعها الاعتراف والحميمية طرزتها ذكريات مفكر وراقصة‏,‏ ليخرج من عندها لكتابة مقاله الشهير بعنوان تحية إلي تحية الذي ضمه إلي كتاب تاريخ حياته تأملات حول المنفي‏2004..‏ ومن بعدها قامت قيامة الأقلام تتساءل كيف تكتب قامة من قامات الثقافة العالمية كإدوارد سعيد عن الراقصة تحية كاريوكا‏

‏ وكي يهضم المتقعرون الأمر دخل موضوع الرقص بؤرة اهتمام المثقفين العرب ليحملوا المقال الجميل أكثر مما يحتمل من معان واستنباطات‏..‏ لقد كتب ابن سعيد ببساطة في بعض من سطوره حول المرة الأولي التي شاهد فيها كاريوكا ترقص‏:‏ لمحت علي فمها المفتر قليلا نعيم النشوة في ابتسامة تنم عن لذة متفلتة السخرية والتمنع تصلان إلي حد الاحتشام تسمرنا أمام ذلك التناقض الفتان‏..‏ رقصت تحية ثلاثة أرباع الساعة‏,‏ ترقص والمطرب عبدالعزيز محمود يغني‏.‏ كان ردفاها وساقاها ونهداها أبلغ بوحا من كل ما حلمت به أو تخيلته في نثري‏..‏ وكانت تنضح بشهوة فردوسية‏..‏ إن أداء تحية نوراني وشهواني إلي حد مستبعد التصديق‏..‏ رقصت مؤدية تأليفا طويلا ومتواصلا يتكون معظمه من الدوران البطئ‏..‏ تدور حول محورها في اتزان محكم إلي حد الكمال فيما الموسيقي تعلو وتهبط بنغماتها المتجانسة فتكتسب معناها من أداء أعظم راقصات زمانها لا من تكرار تفاهة كلمات المطرب‏..‏ وصلة من الجنس الغامض والمؤدي والمنظم ببراعة هائلة‏,‏ لكنه جنس عصي علي المنال وعلي التحقق والاكتمال‏,‏ جنس مرجأ علي الدوام ومستبعد بصورة نهائية‏...‏ ويأتي نقاد الكونفوشوسية يكتبون عن مشاعر الإعجاب الصادقة البليغة بكلاكيع الكلام مثل‏:..‏ بروز تيار ما بعد الكولنيالية في دراسة بولطقيا الجسد في السطح الذي أولته النظرية النقدية المعاصرة للكيانات المقموعة والمهمشة من الحياة الاجتماعية والثقافية مثل الأقليات الدينية والعرقية والاثنية والترابط بين النصوص وبين الوقائع الوجودية للحياة التي تبتدئ من الفرحان وتنتهي بالرقص كنص كامل ومنجز في الإطار النصي الثقافي الخطابي المتجانس من التاريخ الثقافي العربي في تلك المرحلة من الحياة السوسيوثقافية المصرية داخل نص يمكن ترحيله وتقديمه في إطار علائقي عبر استخدام نظام استطيقي عفوي معبرا عن التواتر اللااتساقي في الموروث الشعبي لشخصية العالمة القادمة من التاريخ العربي الإسلامي ولاسيما العصر الذهبي للإمبراطورية العباسية‏,‏ وشيئا فشيئا يقترب مفكرنا من الميدان الميثادولوجي بعد أن هزه الحماس الفائض للثقافة الشعبية التي كان من ليوتار وبورديار يشجعانها‏..‏ و‏..‏ ولا مؤاخذة الله يخرب‏......‏ هل فهمتم شيئا؟‏!...‏ والله ولا أنا‏..‏ إنما ما كان قد وصلني من تحية إلي تحية هو بلاغة المفكر وتدفق مشاعره في أي أرض قادته إليها قدماه‏,‏ وبأي فعل تأثر‏,‏ وبأي من بني البشر أبدي إعجابه‏..‏

تحية كاريوكا‏..‏ راقصة مصر العالمية الخارجة من باب الحمام وكل خد عليه خوخة‏..‏ التي لم تعرف موضع قدمها إلا في الرقص‏..‏ بدوية محمد علي النيداني كريم‏..‏ الحب والمعارك‏.‏ الصدفة والحبكة‏.‏ الخطة والقدر‏.‏ الجوع والتخمة‏.‏ الحرية والسجن‏.‏ الصحة والمرض‏.‏ الزواجات والطلاقات‏.‏ الملاءة اللف وفستان السهرة‏.‏ الاتيكيت والردح‏.‏ الذكاء والهبل‏.‏ الفول المدمس والمارون جلاسيه‏.‏ السفح والقمة‏.‏ عميدة الرقص الشرقي المتهمة بمحاولة قلب نظام الحكم‏.‏ الأرتيست وسجادة الصلاة‏.‏ الدنيا والدين‏.‏ الامومة مع ايقاف التنفيذ‏.‏ المعتقلة سياسيا مع رؤساء أحزاب ووزارات‏..‏ من قال عنها نجيب الريحاني‏:‏ تحية قارة مجهولة‏.....‏ كاريوكا التي قالت بعد سنوات من قيام الثورة‏:‏ كان هناك فاروق واحد والآن نعيش عصور الفواريق‏!!



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عبرنى شكرا :)